هنا اجابات موقع اسلام ويب على اسئلتي متجدد
السؤال
سماحة الشيخ وفقك الله: هل فسر البخاري قوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ـ إلا ملكه؟ وما ردك على فتوى الألباني أن هذا لا يقوله مسلم مؤمن في كتابه فتاوى الألباني ص: 522؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه: باب تفسير سورة القصص: كل شيء هالك إلا وجهه ـ إلا ملكه، ويقال: إلا ما أريد به وجه الله. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: إلا وجهه إلا ملكه ـ في رواية النسفي: وقال معمر، فذكره، ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن، لكن بلفظ إلا هو، وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية، وكذا ذكره الفراء وقال ابن التين: قال أبو عبيدة: إلا وجهه أي جلاله، وقيل: إلا إياه. انتهى.
وهذا يوضح أن البخاري حكى قولين في تفسير الآية، وأن تفسير الوجه بالملك نقله عن غيره، وهو معمر ـ أبو عبيدة بن المثنى ـ ولم ينفرد البخاري بذكر هذا القول وحكايته، فقد حكاه جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام وابن القيم والبغوي وابن كثير وابن أبي العز وغيرهم، والظاهر أن من فسر الآية بالملك، لم يرد الملك المخلوق، وإنما أراد صفة الملك له سبحانه، وإلا لحصل التناقض، فإن قوله تعالى: كل شيء هالك ـ فيه تقرير زوال الملك المخلوق، لا بقاؤه، وأما ملك الله تعالى الذي هو صفته فلا يزول، قال السمرقندي في بحر العلوم: كل شيء هالك إلا وجهه ـ يعني كل عمل هالك لا ثواب له إلا ما يراد به وجه الله عز وجل، ويقال: كل شيء متغير إلا ملكه، فإن ملكه لا يتغير ولا يزول إلى غيره أبدا. اهـ.
وينبغي أن يُعلم أن السلف قد يفسرون اللفظة بالمطابقة، وقد يفسرونها بالتضمن واللازم، فيظن الظان أن ذلك تأويلا وليس الأمر كذلك، ومثاله أن يقول أحدهم في تفسير قوله تعالى: فإنك بأعيينا ـ إنك بحفظ وكلاءة من الله، فهذا حق وهو لازم أو متضمَّن لإثبات العين، وليس فيه نفي الصفة أو تأويلها، ولا يجوز أن يقال عن مثل هذا المفسر إنه ذهب إلى التأويل المذموم بمجرد هذا، بل لا بد أن ينظر في مجموع كلامه، لمعرفة موقفه من الإثبات والتأويل، والبخاري ـ رحمه الله ـ لا ينفي صفة الوجه ولا يؤولها فقد بوب عليها في كتاب التوحيد من صحيحه فقال: باب قول الله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ـ وأسند حديث جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، فقال: أو من تحت أرجلكم ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، قال: أو يلبسكم شيعا ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أيسر. اهـ.
فعلى فرض أنه فسر الآية بقوله: إلا ملكه، أو إلا هو، أو إلا ذاته، لم يكن هذا تأويلا لصفة الوجه، بل تفسير للآية باللازم، فإن بقاء وجه الله تعالى يستلزم بقاء ذاته وبقاء ملكه وجلاله، قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: فأهل السنة يثبتون الصفة ويثبتون ما تضمنته ويثبتون اللوازم... لو قال قائل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ لو قال قائل: يعني تبارك الذي تحت قدرته وتصرفه الملك، هذه قد يقولها رجل من أهل السنة ويقول معها: هذه الآية فيها إثبات صفة اليد لله تعالى والملك تحت قدرة الله تعالى وتصرفه، فيكون الكلام صحيحا، هذا تفسير بالتضمن تفسير باللازم، لأنه يلزم من كون الملك بيد الله جل وعلا أن يكون تحت تصرفه وتدبيره وقدرته.
وأما الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ فهو يجل الإمام البخاري ويعترف بصحة منهجه في صفات الله تعالى، وقد اختصر صحيحه وحقق الأدب المفرد له، ولكنه يشكك في نسبة الكلمة للبخاري ويقول: ننزه الإمام البخاري عن أن يؤول هذه الآية وهو إمام في الحديث وفي الصفات، وهو سلفي العقيدة والحمد لله. اهـ.
والله أعلم.
سماحة الشيخ وفقك الله عند اتهام بعض الفرق الضالة بوجود طلاسم للسحر في كتبهم يردون علينا أنه يوجود في كتبنا الآتي: شمس المعارف الكبرى للبوني، كتاب الرحمة في الطب والحكمة تأليف جلال الدين السيوطي ص:117، الأجوبه المرضية للسخاوي الجزء الأول ص384 وقال إنه يكتب على خرقتين لم يصبهما ماء وتضعهما المطلقة تحت قدميها تضع بإذن الله عز وجل، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني الجزء العاشر طبعة دار السلام ص 288، كتاب الطب كتاب السر المكتوم للفخر الرازي، فماهو ردكم على ما ذكر فيها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتويين رقم: 111790، ورقم: 115492، أن علم الجداول والطلاسم من الباطل.
وتقدم الكلام عن كتاب شمس المعارف في الفتوى رقم: 15070.
كما تقدم في الفتوى رقم: 53210، الكلام حول كتاب الرحمة في الطب والحكمة وأنه لا تصح نسبته للسيوطي.
وأما كتاب الأجوبة المرضية: فهو كتاب يحتوي على بعض الفتاوى الحديثية، وليس من الكتب المتخصصة في السحر ولم يذكر هذا الكلام متبنيا له، وإنما ذكره عرضا في الكلام على تاج الدين الحموي وعزا ذلك له، وهذا الأمر باطل عند أهل السنة، ومن المعروف عند أهل السنة أن العصمة للوحي كتابا وسنة، وأنه ليس أحد من الناس معصوماً، بل كل يؤخذ من قوله ويرد، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ثبت الدليل عليه من النص مقبول عند أهل السنة، وأما ما ذكره أحد العلماء فإنه محكوم عليه بالشرع ولا يقبل إذا عارض الشرع ولا ينسب لأهل السنة القول به إذا ما ثبت عندهم رده.
وقد تكلم السيوطي في الأشباه والنظائر على أنواع العلوم فذكر أن منها واجبا ومحرما، وعد من المحرم الفلسفة والشعوذة والتنجيم والرمل والسحر والموسيقى، وقد قرر أهل السنة أنه لا يجوز للمسلم أن يجعل شيئاً سببا لجلب نفع أو دفع ضر إلا ما ثبت شرعاً أو حساً أنه كذلك، قال الشيخ صالح آل الشيخ: كل شيء يفعله الناس بما يعتقدونه سببا وليس هو بسبب شرعي ولا قدري فإنه لا يجوز اتخاذه. اهـ.
وأما كتاب السر المكتوم للرازي: فإن أهل السنة لا يعتمدونه، بل قد انتقده علماء السنة كالذهبي وشيخ الإسلام وابن حجر، ومال ابن السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى إلى أنه مختلق على الرازي.
وأما ما ذكرت عن فتح الباري فنرجو أن ترسل لنا الكلام الذي ذكر فيه ابن حجر ما يشكل عليك.
والله أعلم.
يقول أهل الضلال إن آخر عهد بالرسول كان مع علي وعندما نذكر لهم هذه الراوية: صحيح البخاري ـ كتاب الوصايا ـ هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال لا: 2590 حدثنا عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود قال ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان وصيا، فقالت متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت حجري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنه قد مات، فمتى أوصى إليه؟ يردون علينا بالآتي: مسند أبي يعلى الأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها الجزء الثاني عشر الصفحة: 364ـ 6934ـ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن أم موسى عن أم سلمة قالت: والذي يحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض في بيت عائشة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة بعد غداة يقول: جاء علي؟ مرارا؟ قالت: وأظنه بعثه في حاجة، قال فجاء بعد فظننا أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب فكنت من أدناهم فأكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه، ثم قبض من يومه ذلك
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور جاء بروايات متعددة وفيها ألفاظ تسقط استدلال أهل الضلال به على ما أرادوه من معارضة الحديث المبين لموت النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة وفي حجرها، ففي مسند أبي يعلى الموصلي:14ـ 216ـ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أم موسى، عن أم سلمة، قالت: والذي يحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض في بيت عائشة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة بعد غداة يقول: جاء علي؟ مرارا، قالت: وأظنه كان بعثه في حاجة، قال: فجاء بعد، فظننا أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، فقعدنا عند الباب، فكنت من أدناهم، فأكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه، ثم قبض من يومه ذلك.
وفي رواية: قالت: فجاء قبل طلوع الشمس.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ضحى، والحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وغيرهم.
وقد صحح بعضهم هذا الحديث وحسنه آخرون، لكن الصواب فيه أن الحديث ضعيف، وقد بين ذلك الألباني فقد قال في سلسلة الأحاديث الضعيفة في معرض رده على من قبل الحديث: الحديث منكر, مداره على المغيرة عن أم موسى ... وفيه أم موسى لم يوثقها غير العجلي وهو توثيق غير معتبر؛ لما عرف عن العجلي من التساهل في التوثيق كابن حبان، فكيف يكون حال من لم يوثقه ابن حبان نفسه.. وقد أشار إلى ذلك الدارقطني بقوله: يخرج حديثها للاعتبار... وتفرد عنها مغيرة بن مقسم... وفي الحديث علة أخرى غير تفرد المغيرة عنها وهي عنعنة المغيرة في كل المصادر المذكورة آنفا وهو من المكثرين من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ...... اهـ راجع بقية كلامه ففيه فوائد حديثية قيمة.
وعليه؛ فإن الحديث ضعيف ولا يحتج به, كيف وهو يعارض حديث عائشة في الصحيح وغيره, لكن على فرض التسليم بما فيه فليس فيه دلالة على ما أرادوا، لأن قول أم سلمة في الحديث: ثم قبض من يومه ذلك ـ صريح في أنه لم يكن هو آخر العهد به، ثم هناك من قال إن المراد به أنه آخر عهدا به من الرجال, لكن ورد في روايات أخرى أنه: كان من أقرب الناس به عهدا ـ ومن للتبعيض فتدل على أن هناك أيضا من كان من آخر الناس به عهدا غير علي ومنهم عبد الرحمن بن أبي بكر، فقد أخرج البخاري ـ 13ـ349: عن عائشة: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقصمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثا، ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي.
وفي الحديث عن عائشة ـ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: أين أنا غدا ـ يريد يوم عائشة ـ فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، فقبضه الله عز وجل وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي، دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند إلى صدري. هذا لفظ حديث البخاري، وهو أكملها.
وقد ذكر الحافظ في الفتح: 8ـ 139ـ في شرح حديث عائشة جملة من الأحاديث معارضة له ساقها حديثا حديثا من طرق وقال: وكل طريق منها لا يخلو من شيعي فلا يلتفت إليها.
كما يمكن أن يقال إن أم سلمة أخبرت عما رأت وعرفت وهي إنما كانت زائرة وليست صاحبة البيت، ثم هي لم تكن معه في آخر ساعة، وأخبرت أن عليا دخل قبل طلوع الشمس ثم قالت: وقبض من يومه ذلك، وعائشة هي صاحبة البيت وهي التي مات النبي صلى الله عليه وسلم في صدرها وهي تخبر عن آخر لحظة له في الحياة ومن كان معه فيها، فهي أثبت في هذا الكلام وأدق، ومن علم حجة على من لم يعلم، ومن حضر حجة على من لم يحضر.
والله أعلم.
سماحة الشيخ وفقك الله، السؤال: في فتاوى الخمر والمخدرات لابن تيميه يقول التالي: وإذا طبخ العصير حتى يذهب ثلثه أو نصفه وهو يسكر فهو حرام عند الأئمه الأربعة، بل هو خمر عند مالك والشافعي وأحمد، وأما إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فهذا لا يسكر في العادة إلا إذا انضم إليه ما يقويه أو لسبب آخر، فمتى أسكر فهو حرام بإجماع المسلمين، وهو الطلاء الذي أباحه عمر بن الخطاب للمسلمين، فالآن ما هو الطلاء لو عرفناه الذي أباحه عمر بن الخطاب للمسلمين؟ أرجو توضيح كلام ابن تيمية
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاء المقصود هنا هو الذي قال عنه ابن منظور في لسان العرب، هو: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، وتسميه العجم الميبختج، وبعض العرب يسمي الخمر الطلاء، يريد بذلك تحسين اسمها إلا أنها الطلاء بعينها... اهـ.
وأما كلام ابن تيمية في هذا الموضوع فواضح، وننقله لك بنصه من الفتاوى الكبرى، فبعد ما ذكر حديث: وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، وحديث: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وهما حديثان صحيحان ـ كما هو معلوم ـ قال رحمه الله: فذَهَبَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ، وَالْبَصْرَةِ، وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ: كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وَهُوَ خَمْرٌ عِنْدَهُمْ مِنْ أَيِّ مَادَّةٍ كَانَتْ: مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَغَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعِنَبِ، أَوْ التَّمْرِ أَوْ الْحِنْطَةِ، أَوْ الشَّعِيرِ، أَوْ لَبَنِ الْخَيْلِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ نِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا، وَسَوَاءٌ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، أَوْ ثُلُثُهُ، أَوْ نِصْفُهُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَمَتَى كَانَ كَثِيرُهُ مُسْكِرًا حَرُمَ قَلِيلُهُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَهُمْ يَقُولُونَ بِمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَأَرَادَ أَنْ يَطْبُخَ لِلْمُسْلِمِينَ شَرَابًا لَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ طَبَخَ الْعَصِيرَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَصَارَ مِثْلَ الرُّبِّ، فَأَدْخَلَ فِيهِ أُصْبُعَهُ فَوَجَدَهُ غَلِيظًا، فَقَالَ: كَأَنَّهُ الطَّلَا، يَعْنِي الطَّلَا الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ، فَسَمَّوْا ذَلِكَ الطَّلَا، فَهَذَا الَّذِي أَبَاحَهُ عُمَرُ لَمْ يَكُنْ يُسْكِرُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ صَاحِبُ الْخَلَّالِ: أَنَّهُ مُبَاحٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْكِرُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ: إنَّهُ يُبَاحُ مَعَ كَوْنِهِ مُسْكِرًا.
ومعنى هذا الكلام: أن كل مسكر حرام، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وأن ما لا يسكر كثيره لا حرج فيه، وقد مثل لما يجوز تناوله بما فعله عمر ـ رضي الله عنه ـ عندما قدم الشام فصنع للمسلمين شرابا لا يسكر كثيره، وقد شبهه عمر بالطلاء الذي تطلى به الإبل لكثافته، فهذا الذي صنعه عمر وأباحه لا يسكر كثيره وأحرى قليله، وإن سمى بعضهم الخمر باسم الطلاء، فإن هذا من تسمية الأشياء بغير اسمها، ولكن العبرة بالمسميات والمضامين لا بالأسماء والعناوين، وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين التالية أرقامهما: 161877، 128537.
والله أعلم.
لا يوجد حالياً أي تعليق